مثل النباتات، ينموا الإنسان أيضا، بعضهم في النور، والبعض الأخر في الظلال، هناك الكثير ممن يحتاجون إلى الظلال وليس النور.
– كارل يونج
(المقال لم يكتمل)
مقدمة
حقيقةّ، ليس لدي أي افكار للكتابة عن نفسي. انا أكتب بالفعل، لكن توقفت عن الكتابة منذ سنة او أكثر تقريبا، فلدي فعلا مذكرة ورقية، كتبت فيها عما كنت أشعر به حينها في ذلك الوقت الذي كنت أكتب فيه، وعندما اقرأها، أبتسم. تلك المذكرة لديها قيمتها لدي، وليست لأي أحد، قليل من قرأها.. لكن ما تقرأه حاليا هي نفسي في ذلك العمر، الواحد والعشرين، لذلك لا تحكم على ما تقرأه الان بعد سنة مثلا.. فـ لوني دائم التغير حسب الظروف والأشخاص. تلك محاولة منى، لأنظر لذاتي ونفسي الأن، ولعل شخصا ما يحمل شيئا سيئا او جيدا لي، اتمنى ان يدرك ان تلك الفكرة او النظرة عني، هي فكرة من الممكن لا يجتمع الناس كلها عليها، او يتفقوا عليها ولا يعني ان الصواب مع هذا او ذاك، فأحيانا أكون كبش فداء لصفة لا احب ان تلوث روحي بالطبع.
ذلك أنا الأن، تلك روحي وذاتي.
عني
شاء الله اني اكتب ذلك المقال عن نفسي بعد ان كنت معرضا لخطر الموت لحظة ولادتي، فلقد ولدت ضعيفا ما عدا جمجمتي هي التي كانت اكبر حجما من جسدي كله، ولقد كانت تسخر ستي قائلة اني كان لدي دماغين وليس دماغ واحد. وبالتأكيد تعرضت للتنمر من الصغر لكن لم يؤثر كثيرا علي.
لم أمت، وأكملت الحياة بشكل طبيعي، كنا أسرة متوسطة، والدي كان سائق أجرة (تاكسي) ووالدتي ربة بيت.. كنت طفلا هادئا كثيرا لكني كنت ضعيف التركيز في الفصل، من مرحلة الكي جي والتي لم أكلمها حتى الان حقيقة. فأي شيئ لا يستهويني ومجبر عليه يشعرني بعد ذلك بالهمدان ولن أبالغ ان قولت انه يجعلني لا استطع ان أكمل يومي.
لم أكن بذلك الطفل المتفوق، لكني في الحقيقة من صغري كنت استطيع ان “أهبد” في الامتحانات ما عدا مادة الدراسات والرياضيات، يمكنك أستنتاج لماذا مادة الدراسات، لكن دعني اقول شيئا عن علاقة المعلم والتلميد ثم أقول لماذا لم أكن جيدا في الرياضيات. العلاقة بين المعلم وتلميذة هي ثاني أهم علاقة بعد علاقة الابن بوالديه او العكس، فيمكن لـ معلم ان يجعل تلميذا مجرما، او يجعله مفكرا وناجحا في حياته، ولأني كنت طيبا وحساسا بعض الشئ، كنت أكره المُدرس الذي يحمل في عينه غضب، او غضب وبرود في نفس الوقت.. كانت أول معلمة لمادة الرياضيات، اسمها ميس “سارة” كانت تعاقبني بشكل مبالغ و غريب عن اصدقائي، ومازلت اتذكر نظرتها لي عندما -أخيرا- عرفت اجابة لسؤال في الرياضيات، وقالت لي “دلوقتي جاي ترفع أيدك” .. مش عارف كان مالها. وكان هناك مرة أخري، عندما دخلت متأخرا، ودعت اصدقائي يدخلون وجعلتني ان بخارج الفصل. ساعتها قررت الأنتقام ومخدتش عندها درس تاني.
مرة أخرى في الصف الثالث، كنت اسوأ شخص في مادة الرياضيات حرفيا. حتى العمليات الحسابية البسيطة كانت تستغرق وقتا مني حتى احسبها، وهذا له تفسير ولكن ليس مهما ان اقوم بسرده الان. تلك المعلمة، كنت مزنوق وعلى أخري، لدرجة اني بكيت ووقتها جعلتني ادخل الحمام، ولكن عندما قمت لأذهب للحمام كان هناك تحدي حتى أوصل للحمام; لأني لم أستطع ان اجري لان في كل خطوة كنت أشعر بألم في خزان الماية! مكنتش عارف أنزل عشان الخزان مليان. أسيبها؟ قررت الأنتقام، وكان في عيد الأم عندنا بنجيب هدايا للمعلمين، وكانت هناك معلمة أسمها ميس “مها” كنت أعشقها وهي التي أسستني في اللغة العربية، لدرجة أني كنت متفوقا فمادة اللغة العربية والقرأن في الفصل. المهم، في يوم عيد الأم، قررت أجيب هدية لها وأفتح الحصالة، وجبت لها طقم كوبايات جامد. أخذته معي يوم الثلاثاء وهو اليوم الذي نبدأ فيه بمادة الرياضيات، فـدخلت الفصل، وقالت لي معلمة الرياضيات، “تلك الهدية لمن؟” فقولت أنها لـميس مها. جاءت ميس مها، وقالت معلمة الرياضيات بالحرف “يارتني كنت عاملتك بشكل كويس”. كل ما ذكرته كان سبب كرهي للرياضيات.
وهناك موقف مضحك، كنت متفق مع مٌدرسة العلوم بأن أقوم بعمل لوحة جلد، لكن بدلا من ذلك، غيرت رأي وعملت لوحة للغة الانجليزية لأن مدرسة اللغة الانجليزية كانت جميلة وتعاملها كان جميل، فعملت اللوحة لمدرسة اللغة الانجليزية وتناسيت لوحة مادة العلوم، وتباهت بيها، مدرسة اللغة الانجليزي، أمام الطابور، لكن المضحك في الأمر ان مدرسة العلوم.. جمعت المال من فصل أخر وعملوا لوحة جلد أيضا، وجاءت في الفصل بتاعنا، وفي حصة اللغة الانجليزية، عشان تتباها باللوحة.
هناك الكثير والكثير لأحكيه، لكن ما أريد قوله ان من صغري عرفت الى اي حد يمكن للأنسان ان يصل من شر، لكني كنت أنكر ذلك. ذلك الاستنتاج بالطبع ليس معتمدا على ما حكيته فقط، بل كانت هناك حياة أخرى خارج المدرسة. وتلك المراقبلة للناس وفهمهم، لا يعني بالضرورة اني شخص جيد أيضا، لكني أحاسب نفسي.
فالأعدادية، هنا تغيرت بشكل كامل اهدافي وطموحاتي، فلقد كنت أطمح من الصغر بأن أكون مهندس كمبيوتر.. لكن ما ان قرأت عن الفضاء فوقعت في حب النجوم، وكأن روحي وجد بيته. ومن هنا ومن ذلك المنطلق، وعندما بحثت وجدت ان علم الفضاء يحتاج الى معرفة في الفيزياء والرياضيات، فالاعدادية كنت جيدا في العلوم عن باقي المواد، لكن في الرياضيات، فلقد مازالت هناك تلك العقدة منها حتى فككت تلك العقدة في الثانوية وعملت على نفسي في تحسينها في الرياضيات حتى أصبحت متفوقا فيها حتى أمتلكني الغرور وبعدها عرفتني الدنيا مقامي.
في فترة الثانوية، كان هناك تغييرا كبيرا في طريقة تفكيري ونظرتي للأمور، ولولا تلك الفترة لما كنت أمتلكت تلك المرونة فالتفكير. فهي كانت بحق فترة مفصلية في حياتي، فكريا ونفسيا. لولا وجود اشخاص يمتلكون تفكير مرن وحر، لما كنت ايضا استطع التفكير بشكل سليم، فلقد كان استاذي ومعلمي -رحمة الله عليه- أشرف فؤاد يعطيني اقتراحات لكتب سياسية وفكرية لقرأتها، وكنت دائما ما اتناقش معه في الموضوع الأكثر اثارة لي وتشويقا وهو الفضاء والكون وعن أفكاري حوله، فقد كان -رحمة الله عليه- طيبا وشريفا وذكيا. ولقد كنت أجلس مع والدي، وكان دائما يقول لي اشياء عكس التي نشئت عليها.. كان يشك، فجعلني أشك مثله، وذلك الشك كان محفز لتفكيري. اذا حكيت عن نفسي كثيرا، سأحكي عن والدي، لأني بالفعل قصة والدي.
اما عن شخصيتي ونفسيتي، فـلقد اكتسبت قوة نفسيه من أمي وستي -رحمة الله عليها- فقد كانوا أصلب الناس في كل الصعاب، فقد كانت أمي تتحمل الكثير من الاشياء التي لا يتحملها معظم النساء. وكانت ستي -رحمة الله عليها- الأم المثالية، التي لم تبخل على أولادها ولا احفادها بشيئ، لا أجد وصف لها، هي من ربتني لذلك امتلكت روحها.
اخر أربع سنوات وهي فترة الكلية، كانت مليئة بأحداث كثيره، لكي أسردها فسوف أحتاج الى عشر مقالات أخرى، لكن سألخصها، فأنا فـتلك الفترة عرفت بـحق قيمة أهلي التي لا يعوضها اي شيئ أخر. أحداث أخرى حدثت، لم أكن اتخيل انها قد تحدث، كمقابلتي لصديق لي فالسودان تعرفت عليه على الفيسبوك من 9 سنوات.
هناك كثير من الاشياء التي لا استطيع ان احكيها سوى لاقرب الناس لي، حتى هناك اشياءء لا استطيع ان احكيها لنفسي. لكن بحق أخر أربع سنوات تعلمت كثير جدا. رأيت أناس تنكر عيوبهم، وأناس تحب ان تبين الاشخاص دائما بأنها سيئة، ذلك الأنكار لا يخفي عيوبنا، وذلك الحكم على الناس لا يجعلنا اسوياء.